باحث أول بمركز دراسات الكتابات والخطوط، مكتبة الإسكندرية
ظلال سلاح العربي بأنواعه منذ قيام الإسلام رمزًا للقوة والعدل، وتفنن المسلمون منذ أقدم العصور في صياغة وصناعة أمضى أنواع الأسلحة وأبدعها. ولم يكتف المسلم عند صناعته لأسلحته بالغرض العملي منها،أي أنها مجرد أدوات للقتال، بل جاءت كغيرها من منتجاته الحضارية الفنية مليئة بالنواحي الجمالية سواء في شكلها أو في زخرفتها وتزيينها، فإن صنعت الأسلحة الفردية من الفولاذ والحديد، فقد حُليت بالذهب والفضة ورُصعت بالأحجار الكريمة والجوهر، وحملت الكثير من الزخارف الإسلامية النباتية والهندسية المتقنة، ولم تقيد الفنان والحرفي المسلم المعادن التي يصعب ترقيقها أبدًا عند صناعته للأسلحة المختلفة، بل شكّل وزخرف مقابض و واقيات السيوف بأشكال وحوش، وصنع قبضات الخناجر من صخور صلبة منحوتة في غاية الدقة والتنوع.
وكان الهدف من زخرفة السلاح يختلف باختلاف الشعوب والعصر فتارة رسمت الزخارف اعتقادًا بأن لها مفعولاً سحريًّا، كما كانت ترسم كطلسم يحقق لحامل السلاح الأمن والنصر. واستخدمت الزخارف أيضًا لتغطية ما قد يكون ظاهرًا على سطح السلاح من عيوب، ويعتقد أن الهدف الزخرفي كان أهم ما قصد إليه الصانع في عصر المماليك، ربما لما تميز به ذلك العصر من ازدهار في مختلف الفنون والحرص على اثراء معظم منتجاته بالكتابات والزخارف المتنوعة. وكانت زخارف الأسلحة وكتابتها ترتبط بالمساحة المتاحة امام الصانع على السلاح المراد زخرفته. وقد تفاوتت هذه المساحة بين الضيق والاتساع حيث كانت تتسع على الخوذة أو الترس بينما تتضيق على السيف للتحول الى شريط طولي ضيق. ولقد استخدمت في زخرفة الاسلحة المعدنية التي وصلتنا من عصر المماليك عناصر زخرفية متعددة نباتية وهندسية وكتابية. ولكن العناصر النباتية والهندسية بصفة عامة لم يكن لنقشها أي علاقة بوظيفة السلاح. كما كانت متشابهة إلى حد كبير مع مثيلتها التي تزخرف المنتجات الأخرى المصنوعة من الخشب او المعدن او الزجاج. أما الكتابات فقد كان لها علاقة بوظيفة السلاح الذي نقشت عليه. وتنقسم الكتابات من حيث مضمونها الى عدة انواع هي:
- الآيات القرآنية: المتعلقة بالحرص على القتال والصبر عليه، والتي تبشر المجاهدين بالنصر والفتح، بالإضافة الى الآيات القرآنية المتعلقة بمعاني الجهاد والفتح، كما نقشت (اية الكرسي) تيمنا بما تحمله من معاني الحفظ والحماية الإلهية. وتذكر بعض المؤلفات ان كتابة مثل هذه الآيات إنما كان موقوفًا على أسلحة الملوك والسلاطين، أما الاسلحة التي كانت مخصصة لعامة المحاربين فلو تحتوي على كتابات. كما نقشت أيضًا آيات من سورة الحديد، والتي تشير إلى فوائد الحديد وتسخيره للعباد للانتفاع بقوته، وبعض العبارات الدينية مثل شهادة التوحيد وغيرها.
- الحروف والكلمات التيمنية:والتي اتخذ بعضها صفة الطلسم اعتقادًا بان لها مفعولاً سحريًّا يتضمن لحامل السلاح الأمن والسلامة وربما كانت لفظة (الدوح) من أكثر الطلسمات التي نقشت على أسلحة المماليك. وقد وصلتنا بعض الاسلحة نقشت عليها عبارات الطلسمية المقروءة وغير المقروءة.
- الكتابات التسجيلية:والتي تتضمن اسم السلطان أو الأمير الذي صنع باسمه السلاح أو في عهده، وكذلك ألقابه المختلفة والدعاء له، وربما أيضًا حوى النص الكتابي اسم الصانع ومادة الصنع وتاريخه ولو ان هذا نادر الحدوث. وكانت هذه الكتابات التي تنقش على اسلحة المماليك تتميز بنصوصها التي تشيد بجهاد السلطان وانتصاراته على الأعداء، وغير ذلك من المعاني المتعلقة بالحرب والجهاد. وأيضًا الألقاب الدالة على ذلك كالمجاهد، وقاتل الكفرة والمشركين، أو الدعاء بالنصر على الأعداء.
أما من حيث شكل الكتابات، فمعظم الكتابات على الأسلحة المملوكية كتبت بخط الثلث، حيث كان لهذا الخط الصدارة وانتشر استخدامه في هذا العصر. كما نقشت كتابات قليلة بالخط الكوفي. وقد اتخذت هذه الكتابات من حيث الشكل حجمًا يتناسب مع المساحة المتاحة المخصصة لذلك، وفى حالة المساحة الضيقة كالنصال كانت الكتابة تتخذ شكل إطار ضيق طولي أو عرضي. ومن ثم؛ فتهدف هذه الورقة البحثية إلى دراسة أنماط وأشكال الكتابات وأنواع الخطوط التي استخدمها الفنان المسلم على الأسلحة المختلفة التي ترجع للعصر المملوكي، بهدف إبراز أنواع تلك الكتابات وجماليات الخطوط العربية المستخدمة في هذا الصدد.