باحث في الفنون ومتخصص في علوم المتاحف، مدير عام قصر المنيل بالقاهرة
قام الأمير محمد علي باشا بالبدء في بناء قصره عام 1901م، وقام على إنشاء هذا القصر الفريد في محاولة منه لإحياء للعمارة الإسلامية التي عشقها فبني أول الأمر قصرًا للإقامة ثم أكمل بعد ذلك باقي سرايات هذا القصر، وقام بنفسه بوضع التصميمات الهندسية والزخرفية اللازمة، وأشرف على كل خطوات التنفيذ، والأمير محمد علي باشا توفيق هو ثاني أبناء الخديوي محمد توفيق والشقيق الوحيد للخديو عباس حلمي الثاني، وكان وصيًا على العرش ما بين وفاة الملك فؤاد الأول وجلوس ابن عمه الملك فاروق على عرش مملكة مصر لحين إكماله السن القانونية بتاريخ 28 أبريل 1936م، ثم أصبح وليًا للعهد إلى أن أنجب فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد الثاني.
وجه الأمير محمد علي الدعوة للحاج أحمد الكامل آقديك آخر رئيس للخطاطين، لزيارة مصر مرتين كانت الأولى سنة1933م، والثانية سنة 1940م، وفي أثناء الزيارتين أنتج الحاج أحمد الكامل العديد من الأعمال الفنية ومنها ما هو موجود الآن في مسجد الأمير محمد علي باشا في قصر المنيل، وفي قاعة العرض الخاصة في القصر. لذلك فالمسجد آية من آيات الجمال، زادته خطوط الحاج أحمد الكامل جمالاً وروعة، ويحتفظ الأرشيف الخاص بالأمير محمد علي بالكتابات الخاصة بالخط الثلث المكتوبة بالزرنيخ الأصفر، التي تم تنفيذها في هذا المسجد. واختار الحاج أحمد الكامل عميد الخط العربي في مصر وقتها سيد إبراهيم لإنجاز هذه المهمة، فاشترك مع الخطاط التركي في كتابة قاعة السلاطين وبوابة القصر وبعض اللوحات الخطية، وكان سيد إبراهيم يعد اختياره مع الحاج أحمد الكامل للكتابة في القصر أعظم تكريم له في حياته.
رغم صغر المسجد إلا انه يُعد تحفة معمارية وزخرفية لا مثيل لها، فقد عنى الأمير محمد علي عناية خاصة بزخرفته، سواء من الخارج أو الداخل، فمن الخارج زين سطح المسجد بعرائس من الحجر الرملي على شكل رؤوس حيات "الكوبرا"، اسفلها شريط من الكتابة القرآنية لسورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، تبدأ على يمين مدخل المسجد، أما الجدران فقد زخرفت على هيئة سجاجيد من طرز فنية مختلفة، والنوافذ على شكل عقود محاطة بأشرطة من الزخارف الهندسية، وساحة كل نافذة مصممة بالرخام المزخرف بالتفريغ على شكل أطباق نجمية مملوكية الطراز –صنعت في إيطاليا، وتبرز من الجدار الشرقي كتلة المحراب على شكل عقد مدبب اسفله مربع من بلاطات القاشاني.
للمسجد كتلة مدخل مستطيلة الشكل وتعلو سطحه، كما أنها تبرز عن المبنى، وهي زاخرة بأنواع عديدة من الزخارف، أبرزها وجود نصف قبة، يبدو قطاعها الطولي كعقد، وهي مزينة بتضليعات طويلة تنتهي عند حافة القبة بزخارف هندسية، ومحمولة على مقرنصات من نفس الحجر، ويعلو القبة شريط به كتابة قرآنية بالخط الكوفي المورُق للآية (ان الذين قالو ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). بجانب العديد من الأشرطة الزخرفية النباتية والهندسية أما يمين ويسار المدخل فتوجد لوحتان من الرخام الأبيض بإطار من الرخام الأسود عليهما كتابات بالرخام البارز باللون الأسود، اللوحة اليمنى عبارة عن النص التأسيس للمسجد واللوحتان من آيات الخط العربي للحاج أحمد الكامل، وقد كتب اللوحتين بالخط الثلث، وبتركيبات غاية في الجمال والدقة الأولى وهي التي على الجهة اليمنى مكونة من تسعة أسطر كتب فيها التالي: "أنشأ هذا المسجد المبارك الأمير محمد علي بن المغفور له ساكن، الجنان الخديوى محمد توفيق باشا زلفى لله عز وجل وتحدثا، بواسع فضله العظيم ونعمه المتوالية شأن الأمراء والعظماء، الذين بنوا المساجد والمعابد بجوار قصورهم كما شاهده، في سياحاته بمختلف بلدان العالم وقد تولى بنفسه بعد الدرس، والاقتباس وضع جميع الرسوم ومباشرة الأعمال ليكون أنفس أثر في داره وأبلغ ما يعبر به عن إيمانه وعقيدته، في ربه الكريم وليحمد الله الموفق على مننه السامية راجيًا، من لدنه الرضى عما قدم فتقبل من عبدك اللهم أمين (توقيع كامل)". واللوحة على الجانب الأيسر هي لا تقل روعة وبهاء عن سابقتها، وكتب عليها أسماء الذين شاركوا في أعمال الخطوط والنجارة والسجاد والرخام والحجارة والبناء، وتتكون من تسعة تكوينات بالخط الثلث الجلي برشاقة فائقة وروعة في تركيب الحروف، ونصها كالتالي: "الكتبة من خط الحاج أحمد كامل أفندي رئيس الخطاطين باستانبول، النجارة والرسومات والنحاس من عمل المعلم محمد إبراهيم النجار، السجاد من عمل المعلم محمد إبراهيم طلخة، الرخام من عمل المعلمين أحمد سكر، ومحمود صالح، الحجر من عمل المعلم محمد عفيفي النحات، القيشاني صنع في استانبول، البناء من عمل المعلم أحمد محمود البنا واولاده، ملاحظ هذه الأعمال سليمان أفندي متولي باشكاتب الدائرة، تمت هذه الأعمال بفضل الله تعال، في سنة 1352 هجرية" وهي توافق 1933م، أي وقت الزيارة الأولى للحاج أحمد الكامل.
ويعلو الباب البسملة الشريفة وسورة الإخلاص بالخط كوفي تتخلله رسوم ازهار.وباب المسجد من الخشب المصفح بالنحاس المؤكسد المشغول بالتفريغ فالأُطر الخارجية محلاة بأنصاف كرات داخل أشكال نجمية وزخارف نباتية، أما ساحة الباب فمزخرفة بدائرة كبيرة تبرز منها أشكال هندسية ذات تضليعات واضحة على أرضية من الزخارف النباتية، ويخرج من الدائرة الكبيرة دائرة أصغر من أعلى وشكل كمثري من أسفل. وبها تفاصيل نباتية تحيط هذا الكم الكبير من الزخارف الهندسية، وللمسجد بابان أخران من الخشب المزين بزخارف بسيطة، أحدهما على الشارع الرئيسي ويفتح للجمهور يوم الجمعة من كل أسبوع لأداء صلاة الجمعة والأخر يفتح على الحديقة.
يجذب ناظريك بمجرد دخولك المسجد ثلاث لوحات خزفية مستطيلة كبيرة بالخط الثلث المتعاكس يتخللها بعض من أسماء الله الحسنى بالخط الكوفي، وكلها كتابات معكوسة، ونفذت بأسلوب الخط المثنى أو المتعاكس، وتحاكي اللوحات الجدارية المنفذة بالجامع الكبير في مدينة بورصة التركية "أولو جامع". وتغطي جدران المسجد بلاطات قاشاني ذات زخارف نباتية باللونين الأزرق والكحلي على أرضية بيضاء، كما توجد مستطيلات على شكل لوحات من بلاطات القاشاني باللون الكحلي. اللوحة الأولي وتتضمن: "يا صبور يا رشيد، الله الوارث"، واللوحة الثانية وهي في المنتصف وتتضمن: "الباعث الرقيب الشهيد، الله الكريم"، واللوحة الثالثة: "يا حكيم، يا ودود، الله الرازق، يا مجيد"، وتعلو الجدار الشمالي لوحة خشبية عليها جزء من الآذان بالخط النستعليق العثماني، بخط الخطاط خلوصي أفندي ومؤرخة بعام 1350هـ، وباقي الآذان على لوحة أخرى أعلى الجدار الغربي.