من اقترب من الفنان محمد حمام بالقدر الذى يمكنه من رؤيته بوضوح وعمق.. سيكون قد عرف عن حق قدر هذا الرجل.. وروحه النبيلة.. وإبداعه الخلاق.. وثقافته الفطرية.. وحسه الوطنى.. وحضوره المضيئ.. وانحيازه الإنسانى للحق والعدل والخير والجمال.. فالفنان محمد حمام لم يكن مجرد مبدع لفنون الخط العربى بكافة انواعه.. و برزت قدرته على استخدام كل أنواع الخامات.. وتميز بإجادته لكل أنواع الخطوط بنفس القدر من المهارة والمهنية والاحتراف والجمال.. وهذا ليس بغريب عليه.. فهو يستحق عن جدارة لقب شيخ الخطاطين.. فقد نجح طوال حياته أن يكون على مسافة واحدة من كل أجيال الخطاطين.. وكان محبا لشباب الخطاطين المبدعين.. متصالحا مع نفسه أولا.. ومتصالحا معهم جميعا ثانيا.. لأن مطالبه فى الحياة كانت بسيطة.. لذا فقد عاش بسيطا.. ورحل فقيرا.. ولد الفنان محمد حمام عام 1935 في حي عابدين.. والتحق بمدرسة السلطان الحنفي التابعة للأزهر الشريف ودار المعلمين.. حيث أتم حفظ القرآن الكريم.. وبدأ في العمل بمهنة الخط العربى وهو في الثانية عشر من عمره عام 1947.. ثم اتجه إلى الدراسة حيث افتتح محلاً خاصًا به للتجارة.. وبالتوازي التحق بمدرسة تحسين الخطوط العربية.. وتخرج منها بعد أن حاصل على الدبلوم عام 1961.. وبدأ الفنان محمد حمام يشق طريقه عبر التلفزيون المصري.. حيث التحق به في عام التأسيس قبل افتتاحه 1959 .. وأنشأ به قسم الخط العربى.. وكان أول من نال شرف رئاسته.. واستمر حتى عام 1961.
وفى نهاية عام 1961 تغيرت حياة الفنان محمد حمام بشكل جوهرى.. حينما عمل خطاطا في جريدة الأهرام العريقة فى عصرها الذهبى.. وقت أن كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رئيسا لمجلس إدارتها ورئيسا لتحريرها.. وعمل بها لمدة ثمانى سنوات.. حصل فيها على عضوية نقابة الصحفيين.. وخرجت من تحت يديه باكورة إصدارات الأهرام المتعددة بخلاف الجريدة اليومية في تلك الآونة.. وقد لعبت هذه الفترة دورا مؤثرا فى حياة الفنان محمد حمام.. فصقلت موهبته.. وأكسبته نوعا خاصا من الثقة بالنفس.. والاعتداد بذاته.. فقد مسته نفحة من وهج الثقافة الرفيعة.. وألق الأهرام وبريقه الآخاذ.. كأكبر مؤسسة صحفية فى مصر والمنطقة العربية.. بل والشرق الأوسط.. إذ كانت مؤسسة الأهرام ــ آنذاك ــ زاخرة بكبار رموز الفكر والثقافة والصحافة.. والشعراء والروائيين والمبدعين والرسامين.. حيث كانت جريدة الأهرام منارة الصحافة العربية.. ومركز إشعاع ثقافى وفكرى.. وربما تكون تلك الفترة الغنية من أزهى فترات العطاء فى حياة الفنان محمد حمام.. وأزهى عصور جريدة الأهرام أيضا.. فقد أثرت فى رؤيته لفن الخط العربى.. وبدأ يسجل شذرات من الكتابات الفنية عن فن الخط العربى.. وأصبح أحد الأصوات المثقفة التى تمتلك ناصية الحديث عن قضايا الخط العربى وإشكالياته وخفاياه.
ومن الأهرام انتقل الفنان محمد حمام للعمل في عدة مجلات وجرائد أخرى.. مثل طرابلس الغرب التابعة لوزارة الإعلام الليبية عام 1968.. وفي ليبيا أنجز عددًا من المهام حيث قام بتخريج ثلاث دفعات بنجاح.. وأنشأ معهد ابن مقلة للخط العربي.. كذلك عمل بمجلة أكتوبر منذ إنشائها 1977.. وقدم استقالته 1979.. ليعمل بجريدة أبو ظبي 1979 حتى 1982.. وعاد ليعمل بمجلة أكتوبر من 1983 .. ثم اتجه للتدريس بأكاديمية الخط العربي في باب اللوق حتى خروجه للمعاش 1995.. وظل يعمل بها حتى 2000.
وكان الخطاط محمد حمام واحد من أهم الرموز التى أسهمت فى تأسيس الجمعية المصرية العامة للخط العربي كعضو مؤسسا فى مجلس الإدارة وأمينا للصندوق.. وساهم فى تأسيس نقابة الخطاطين المصريين (تحت التأسيس).. وعضوا بارزا فى اللجنة العليا لملتقى القاهرة الدولى لفن الخط العربى على مدى الدورات الأربع الأولى.. وكرمه الملتفى فى دورته الأولى.. وكانت له بصمات أخرى حيث كتب أربع كراسات تعليمية للخط لدولة البحرين.. وكتاب تعليم الخط لغير الناطقين بالعربية للمملكة المتحدة.. ونال عدة تكريمات في مصر والخارج.
حصل الفنان محمد حمام على جائزة وشهادة تكريم من مهرجان الموسيقى العربية والخط العربي بدار الأوبرا عام 2003.. واختير قوميسيرا عاما لمعرض فن الخط العربي ببلغاريا 2002.. ودعته جامعة صوفيا لإلقاء محاضرة عن فن الخط العربي بكلية الفنون الجميلة بالجامعة.. ونال شهادة تقدير ورسالة شكر من السفارة المصرية ببلغاريا.. وتم تكريمه فى ملتقى الشارقة للخط العربى.. وشارك في معرض الخط العربي الذي تقيمه مصر في فرنسا 2010.. وشارك في المؤتمرات التي أقامها مركز دراسات الخطوط بمكتبة الإسكندرية كباحث ورائد من رواد فن الخط.. وشارك في معرض الخط المصاحب لمعرض الكتاب بفرانكفورت.. فى دورته السادسة والخمسين حين كانت الثقافة العربية ضيف الشرف عام 2004 .. وتميزت أعمال الفنان محمد حمام بالإتقان والبناء المحكم.. والتنوع مابين الخط الثلث.. والنستعليق.. والرقعة.. والكوفى الفاطمى.. والديوانى والجلى ديوانى.. وكان ميالا للاقتصاد فى العبارات.. منتقيا أبلغها.. وأرقها.. وأكثرها صعوبة فى التكوين.. وبرزت فى أعماله روعة وأناقة خطوط النستعليق التى تميز بها واتقنها بمهارة متفردة.. واتسمت تركيباته فى خط الثلث بالبساطة وجمال التكوين.. وتناغم الفراغ مع الكتلة.. إنه واحد من رموز فن الخط العربى المؤسسين.. ورائدا من رواد فن كتابة عناوين الصحف الكبرى (المانشت).. وصوتا مثقفا فى أدبيات الخط العربى.. وإذا كانت هذه الدورة التاسعة من ملتقى القاهرة الدولى لفن الخط العربى تحمل اسم الفنان محمد حمام فهى رسالة من الملتقى تؤكد أنك حاضر دائما رغم الغياب.
محـمد بغـدادى